[جدة - أحمد مساوى]
منزلة (بكسر الميم وسكون النون وفتحة وشدة على الزاء) هو اسم لطبق حجازي مكاوي تحديداً مرتبط أيضاً بفطور وعشاء عيد الفطر المبارك.
هذا الطبق من أكثر الأطباق المتعبة في تعقبها تاريخياً ، لأن مكوناته بسيطة ولم أجد ما يشابهها في أي دولة أخرى من الدول ذوات التاريخ الغذائي القديم.
قمت بتعقب الطحينة فوجدت أن أوائل ذكر السمسم كان قبل 2000 سنة قبل الميلاد حيث كان يصنع نبيذ السمسم ، وقبل 1500 سنة قبل الميلاد جاء ذكر أول عملية لحصد السمسم في العراق حول نهري دجلة والفرات حيث كانوا يستخدمون زيت السمسم.
السمسم (الصورة من النت)
المهم أن أقدم توثيق للسمسم كان في العراق ، وأقدم ذكر لإستخدام الطحينة في وصفة الحمص في كتاب عربي مجهول الهوية (كتاب وصف الأطعمة) في القرن الثالث عشر ، وأيضاً في نفس القرن في كتاب مصري اسمه (كتاب الوصلة إلى الحبيب في وصف الطيبات والطيب) ولم يكن هناك ذكر لطبق الحمص البارد قبل الخلافة العباسية ، لكن وللأمانة العلمية يتم إستخدام معجون السمسم في وصفات قديمة في الصين واليابان وكوريا وحتى الهند ، ولو أن طريقة معالجة السمسم تختلف لديهم ، لكن لم أجد توثيق لذلك أقدم من الكتب المذكورة.
الطحينة (الصورة من النت حلويات أبو نار)
نصل إلى الحجاز ونجد أن الإسم "منزلة" في مكة يصف طبق يحتوي على قطع من لحم الضأن المخلي من العظم مع مرق الطحينة الكثيف القوام ويميل لونه للصفرة ، بينما يصف نفس الإسم في جدة طبق يحتوي على مرق الطحينة نفسه لكن يُستخدم فيه السمك كعنصر بروتيني بدلاً عن اللحم ، لكن بسبب قرب مدن الحجاز من بعضها البعض نجد أن هناك من يستخدم الإسم المكاوي في جدة أو المدينة ومن يستخدم الإسم الجداوي في غيرها وهكذا ، لكن يغلب على أهل مكة اطلاق اسم المنزلة على ايدام الطحينة باللحم ، بينما يغلب على أهل جدة إطلاق نفس الإسم على إيدام الطحينة بالسمك (بعض العوائل يضيفون الطماطم على المنزلة فيصبح لونها أحمر).
وبهذا إتفق أهل الحجاز على أن إسم "منزلة" يصف إيدام يتكون أساسه من الطحينة ويُضاف عليه نوع من البروتين سواءً كان لحم أو سمك.
منزلة (حقوق الصورة محفوظة للمؤلف)
كما هي أطباق الحجاز تنقل لك أحاسيس دول وحضارات متنوعة في لقمة واحدة ، هذا الطبق يحتوي على الطحينة التي ربما تكون لبنانية/مصرية/شامية/فلسطينية التي كان أصلها السمسم العراقي ، والبهارات ذات الأصول الهندية (الكُركم) واللحم الضأن الذي يُستهلك على نطاق واسع في الحجاز وفي جزيرة العرب عموماً ، هذا هو الإحساس الذي ينقله هذا الطبق من الشرق والغرب والشمال والجنوب كلها أحاسيس وثقافات تصب في أرض الحجاز.
الكركم (الصورة من النت)
الإسم نفسه "منزلة" يصف طبق يتكون من اللحم والباذنجان كما هو مذكور في قاموس المعاني (المعجم الرائد) ، وليس هناك أي ذكر للإسم مع ربطه بالطبق الحجازي الذي تكون الطحينة هي المكون الأساسي فيه بالإضافة إلى اللحم أو السمك ، والإسم يدل على وصف النزول ، وفعل النزول نفسه ربما يصف نزول الطحينة على اللحم في المراحل النهائية من الطبخة ، لكن هذا مجرد إفتراض لأن الإسم عام ويقبل معاني كثيرة.
تشابه حضاري:
1- منزلة الباذنجان (شامية): تتشارك في الإسم "منزلة" مع الحجاز ، لكنها لا تتشابه معها أبداً بسبب أن مكوناتها الرئيسية هي الباذنجان واللحم المُقطع لقطع صغيرة أو مفروم بالإضافة لبهارات مختلفة ولا تحتوي عادة على مرق وتكون محمرة في الفرن.
منزلة الباذنجان الشامية (الصورة من النت)
2- منزلة زهرة (شامية): وهذا اسم غير منتشر كثيراً لطبق يتكون أساساً من الزهرة (القرنبيط الأبيض - Cauliflower) المقلية وأحياناً محمرة في الفرن ويضيف عليها البعض اللحم والبعض بدون لحم ، وتتشارك مع الطبق الحجازي بإضافة الطحينة ، ولو أن البعض لا يضيف الطحينة ويطلق عليها نفس الإسم ، ولا يُستخدم إسم (زهرة بالطحينة) على نطاق واسع.
3- منزلة بطاطا (شامية): اسم غير منتشر أيضاً لمكعبات البطاطا المطبوخة بصلصة الطماطم مع أو بدون قطع اللحم أو الدجاج ، ولا تحتوي على طحينة.
وبهذا وثقنا ولله الحمد هذا الطبق الحجازي العريق لكي نحافظ على تراثنا الحجازي وأطباقنا العربية من الضياع (كلما كانت صعوبة البحث وإستقاء المعلومة أكبر كلما زاد إصراري وتصميمي على توثيق أطباقنا العربية علمياً وتاريخياً).
منزلة مع الشُريك (حقوق الصورة محفوظة للمؤلف)
أو بصورة سريعة ومختصرة على حساباتي في منصات التواصل الإجتماعي مثل الإنستقرام والتويتر والفيس بوك على حساب:
مع خالص تحياتي ،،،
أحمد مساوى
تعليقات
إرسال تعليق