نسمع كثيراً عن طبق "الفول المدمس" فهل فكرنا ما معنى هذه الكلمات؟ وما هي أصول الفول أساساً؟ وكيف وصل هذا الطبق للحجاز وأصبح له هوية حجازية؟
كلمة :فول" تصف نوع من الحبوب المعروفة باللاتينية بإسم (Fava beans).
كلمة "مدمس" كلمة قبطية الأصل معناها (المدفون) أي دفنه في ظلام دامس.
وبالنسبة لتقنية الطبخ نفسها فهي تعتمد على وضع الفول في قدر خاص كبير بيضاوي الشكل ذو عنق وفتحة صغيرة من الأعلى ، وبسبب صغر الفتحة وظلمة الداخل جاء التشبيه بأن الفول تم دفنه في ظلام دامس داخل القدر ، وهذا سبب التسمية "فول مدمس" وإلا فإن عملية الدفن ليست حقيقية في طبخ الفول الذي تمتد عملية تحضيره وطبخه لساعات طويلة تصل إلى 12 ساعة عند البعض.
على الرغم من أن آسيا الوسطى هي المصدر الرئيسي للفول بصفة عامة إلا أن أول إستخدام موثق للفول كطعام يعود إلى الفراعنة في مصر.
في عصرنا الحالي يعتب الفول أشهر طعام في مصر ، وأحد أشهر الأطباق عربياً ويتم إستهلاكه على نطاق كبير جداً كوجبة إفطار بصورة رئيسية أو عشاء وعلى شكل طبق أو ساندويتشات.
تختلف تقنيات طبخ الفول من بلد لآخر ، في مصر تنتشر تقنية طبخ الفول وتقديمه بشكل مهروس بالإضافة إلى الحبات الكاملة ، مع طغيان الحبات الكاملة غالباً على الطبق
في السعودية عموماً يفضلون زيادة كمية الفول المهروس أكثر من الحبات الكاملة ، حيث تكون النسبة عادة حوالي 20% فول حبات كاملة ، مقابل 80% من الفول المهروس.
من العادات القديمة الأساسية في أكل الفول في السعودية هي تقديمه مع خبز الـ "شُريك/سحيرة/كعك" الحجازي ، وكما ذكرنا سابقاً أن كل هذه الأسماء هي وصف لخبز واحد ينتشر في الحجاز وتختلف تسميته من مدينة لأخرى ، لكن أصل الخبز من الحضارة العثمانية وأسمه هناك "Gevrek" وهو الإسم التركي الذي يعني "شُريك" وهو الأسم الأصح.
لكن تقنية عمل هذا الخبز صعبة وتستهلك الكثير من الوقت عادة وهنا برز الخيار الرائع الـ "تميس" ، وهو رغيف خبز كبير وخفيف يتم خبزه في فرن التنور ، ويخبز هذا الخبز عادة الأفغان والباكستانيين واليمنيين في الحجاز ، وسنتطرق للتميس في موضوع مستقل لاحقاً بإذن الله.
هنا يكمن جمال الحضارة الحجازية وأهلها ، حيث تتلاقى الحضارات العالمية على أرض واحدة وتأخذ من كل حضارة جزء وتركبه على حضارة أخرى فتتناسب وتتمازج والنتيجة مزيج فريد جداً لا نجده في أي مكان آخر على الأرض.
فن الفول الحجازي لا يتوقف عند هذا الحد ، بل يمتد لإضافة لمسات أخرى مثل سلطة الـ "دُقس" الشهيرة ، والطحينة والكمون والبقدونس والسمن وزيت الزيتون وغيرها من المكونات والبهارات التي تنقل طبق الفول إلى مستوى آخر ، وهناك اللمسات المتطرفة على الفول بعد طبخه وخاصة لمسة معينة تشتهر في الحجاز في شهر رمضان الكريم بصورة كبيرة في البيوت ، هذه الطريقة هي "التبخير" وهو ما يجعل اسم طبق الفول "فول مُبخر" وهي تقنية لإكساب الفول نكهة مدخنة فريدة ومميزة.
تقنية التبخير لابد أن تشمل سمن أو زيت في منتصف الصحن ولابد من توفير فحم مشتعل و صحن له غطاء محكم ، وتكون الطريقة هي بتجهيز الفول بمكوناته بالكامل ثم تغطيته بالسمن أو الزيت ثم وضع قطعة الفحم المشتعلة في السمن أو الزيت ثم تغطيته مباشرة لمدة عشر دقائق أو أكثر (كلما زادت المدة كلما كان أفضل) ، عندها سيكتسب كل السمن أو الزيت نكهة التدخين المميزة والتي ستترافق مع كل لقمة تتناولها من الفول الحجازي المُبخر (من الممكن وضع قطعة قصدير فيها سمن أو زيت في منتصف الطبق وتضع فيها الفحمة ، وهذه الطريقة تُسهل إزالة الفحمة من الطبق لاحقاً).
هذه الخطوات بصورة مبسطة
أيمن الجنيد مالك أربعة فروع من مطعم طيبات الحجاز قام بتلبية طلبات الزبائن الحجازيين وقام بتوفير الفول المُبخر في مطاعمه بصورة دائمة طوال العام ، وبهذا يصبح مطعم طيبات الحجاز أحد الأماكن المحدودة جداً التي تقدم هذا الطبق الحجازي العريق طوال العام ، والجميل أن المطعم يحتوي على قسم للعائلات.
تعليقات
إرسال تعليق