[جدة - أحمد مساوى]
مَكمورْ ، هو أحدث أطباق العيد الآخذة في الإنتشار خلال الخمسين/سبعين سنة الماضية في مكة المكرمة تحديداً ، وبسبب حداثة هذا الطبق أستطعت توثيقه من خلال مقابلة عدة أشخاص من العائلة التي يعود اليها فضل إبتكار هذا الطبق الرائع ، وأصبح هذا الطبق مرتبط أيضاً بفطور وعشاء عيد الفطر المبارك ومن الأطباق التي تُطبخ مرة واحدة في السنة ، مع ملاحظة أن هذا الطبق الشبه منقرض أصله طبق مالح لكننا نتحدث اليوم عن النسخة المحدثة منه فقط دون التطرق لأصل الطبق الأساسي.
طبق المكمور الحلو مع الخبز الحَب (البُر الأسمر) |
البداية كانت في أواسط القرن العشرين (1930م - 1950م) في منزل السيد/ حسن أحمد شهاب (حلواني) ، في مكة المكرمة ، والذي كان أول المتخصصين في صناعة الحلويات المكاوية العريقة ذات الأصول المختلفة مثل اللبنية ، اللدو ، البتاسة ، الهريسة وغيرها مثل مقرمشات دجاج البر ..... الخ
بعض من الحلويات المكاوية (الصورة من النت) |
وأشتهرت العائلة بأنهم يحبون الطعم الحلو عموماً حتى في الأطباق الرئيسية العادية ، وعندما تزوج السيد حسن بالسيدة نور بسيوني تفاجأت بتأثر عائلة شهاب بحرفة الـ (حلواني) وقيامهم بتحويل بعض الأطباق من الطعم المالح إلى الطعم الحلو مثل الـ "دُبة" عبارة عن نوع من القرع الأخضر الطويل ، والـ "يخني" عبارة عن بصل صغير باللحم وأحياناً مع التمر الهندي ، والـ "سمبل" فلفل أحمر مطحون ، وأخيراً وليس آخراً الـ "مكمور" نفس مكونات طبقنا اليوم لكن بدون سكر.
السيد/ حسن أحمد شهاب (حلواني) رحمه الله |
المهم أن السيد حسن رحمة الله عليه وشهرته "أبو البنات" (بسبب أن لديه عدد كبير من البنات وإبن واحد فقط) كان يقوم بتصنيع الحلويات المكية في بيته بمساعدة بناته الصغار في السن في وقتها ، و يعشقون الطعم الحلو عموماً بسبب إرتباطه بمصدر رزقهم ، وقاموا بنشر هذا الطبق المطور بطعمه الحلو في المجتمع المكي.
الملاحظ أن لقب "حلواني" التصق بإسمهم لأن من عادات أهل مكة تسمية الشخص بوصف حرفته ، لذا جاء لقب "حلواني" بعد اللقب الحقيقي "شهاب" ، علماً أن محلات الحلويات البلدي "حلويات شهاب بدره" هم أبناء عمومة شهاب حلواني.
أحد محلات شهاب بدره للحلويات البلدي |
وصف الطبق: يُصنف الطبق من فئة الـ "غموس" أو الـ "إيدام" كما نسميه في الحجاز ، ومعنى ذلك أنه يجب تناوله بإستخدام الخبز غالباً أو بتقديمه مع نوع من أنواع الرز كطبق جانبي ، لكن هذا الطبق يحتوي على الطماطم كعنصر رئيسي في الطبق بالإضافة إلى اللحم وقليل من الرز كعنصر نشوي غني في الطبق ، هذا الطبق يتم طبخ اللحم فيه بماء الطماطم ، بمعنى أن اللحم يصبح قوامه طري بسبب أحماض الطماطم بالإضافة إلى تعزيز نكهة الطماطم بإستخدام السكر ، وهو طبق حلو يحتوي على اللحم الطري وقوام الطماطم فيه كثيف.
المكمور أثناء الطبخ |
وبسبب حداثة هذه الطبخة سأسرد مكوناتها ووصفتها لكي نساهم في نشرها مع أمنياتي بأن نرى تجاربكم وآرائكم لهذا الطبق وبأن ننشره خلال الأعياد على الأقل لأنه متناسب جداً مع باقي مكونات سفرة العيد.
وصفة المكمور:
1- لحم (يفضل قطع ضأن بالعظم)
2- زيت
3- بصل (مقطع مكعبات صغيرة)
4- ثوم (مطحون)
5- طماطم (كمية كبيرة جداً مقطعة لمكعبات صغيرة)
6- رز أمريكي حبة قصيرة سميكة (مغسول)
7- صلصة (حسب الحاجة)
8- سكر (خشن ، حسب الذوق)
9- ملح (كمية بسيطة لإبراز الطعم الحلو)
10- البعض يضيف بهارات مثل كزبرة ناشفة أو كمون أو كلاهما.
لابد من أن نستخدم قدر ستل ستيل لكي لا يؤثر حمض الطماطم على الحديد ويسبب أضرار صحية (هذه نصيحة من مبتكري الوصفة)
نحمر البصل في قليل من الزيت حتى يذبل فقط ثم نضيف عليه الثوم لفترة بسيطة حتى يذبل قليلاً ثم نضع اللحم ونقلبه حتى يتغير لونه ويصبح فاتح ثم نضع كل كمية الطماطم فيه حتى نغطي اللحم ونخفف النار للوسط ونكمره بتغطيته وتركه حتى تخرج السوائل من الطماطم وتطبخ اللحم بأحماضها وحرارة ماء الطماطم ، عندما يصل اللحم لدرجة نصف السواء نقوم بإضافة الرز ، قبل أن تنتهي عملية الطبخ بحوالي عشر دقائق نتفقد اللون والشكل فإذا لم يكن لون الطماطم أحمر غامق من الممكن بأن نضيف علبة صلصة ليصبح شكلها أشهى ، وبعد التقليب نضيف السكر ونتذوق حتى نصل لدرجة الحلاوة المرغوبة.
إضافة كمية كبيرة من الطماطم في الطبخة |
كمية الطماطم تغطي اللحم تماماً |
شكل الطماطم عندما تتعرض للحرارة |
يُفضل تناول المكمور بالمرافقة مع الجبنة الفيتا (الهنغاري) ذات الطعم الحامض ، لأن الطعم الحامض متناسق جداً مع الطعم الحلو والطماطم واللحم ، وطريقة تناول هذا الطبق بخبز الحَب الأسمر البلدي (البُر الأسمر) أو الشُريك كما تعود أهل مكة والحجاز عموماً.
جبنة فيتا هنغاري |
قد يستنكر البعض خلط الطعم الحلو مع الحامض أو المالح ، لكن هذا الأمر ليس جديداً على العرب ، ففي جنوب جزيرة العرب يتناول العرب اللحم المشوي مع العسل أو التمر أو حتى مع بخلط قطع الموز الطازج مع الرز باللحم ، ومن وجبات الإفطار المعروفة لدى البادية رغيف الخبز الكبير الذي يتوسطه إناء فيه سمن وعسل ويقدم بجواره جبن بلدي ، هذا غير الهريسة التي يدخل فيها اللحم المهروس والعصيدة والقطر والطحينة وحتى تناول الحبحب "البطيخ" بالترافق مع جبنة الفيتا الهنغاري ، وصدقاً لم أجد ممن حولي من قام بتجربة هذا الطبق بتطويره الحلو مع الجبنة الهنغاري ولم يعجبه.
الإسم: مكمور من الكَمْر ، يُقال كمره بالغطاء (أي غطاه جيداً حتى لا يظهر منه شيئ) ، وهو إسم عام ينطبق على أطباق كثيرة جداً حول العالم يتم تطبيق تقنية التغطية جيداً فيه لبعض الوقت.
هذا الطبق وبخلاف غالبية أطباق الحجاز لا يرتبط بأي حضارة ولا ثقافة أخرى ، وهو وليد خبرات منزلية لعائلة حجازية تخصصوا في صنع الحلويات الحجازية وخلطوا الطعم الحلو في طبق مالح وغيروا في مكوناته فأصبح لدينا هذا الطبق الرائع في نكهاته على الرغم من خلوه تماماً من البهارات وإعتماده على نكهة الطماطم واللحم.
تشابه حضاري:
1- مكمور الكوسة ، مكمور اللحم ، مكمور الباذنجان ، مكمورة الملفوف ، مكمورة اربد ، مكمورة الدجاج: جميعها أطباق (شامية ، لبنانية ، فلسطينية ، أردنية) لا تتشابه مع المكمور الحجازي إلا في الإسم فقط ، ولا يوجد بينها طبق رئيسي حلو يحتوي على اللحم والطماطم ، وتتشارك في تقنية التغطية السائدة في الطبخ العربي عموماً.
مكمور اربد بالدجاج |
مكمور كوسا |
وبهذا وثقنا ولله الحمد هذا الطبق الحجازي العريق لكي نحافظ على تراثنا الحجازي وأطباقنا العربية من الضياع (كلما كانت صعوبة البحث وإستقاء المعلومة أكبر كلما زاد إصراري وتصميمي على توثيق أطباقنا العربية علمياً وتاريخياً).
أو بصورة سريعة ومختصرة على حساباتي في منصات التواصل الإجتماعي مثل الإنستقرام والتويتر والفيس بوك على حساب:
مع خالص تحياتي ،،،
أحمد مساوى
تعليقات
إرسال تعليق