الشهود العشر يوم القيامة
إذا أذن الله لإسرافيل أن ينفخ نفخة البعث والنشور خرجت الخلائق من قبورها ْقال تعالى: ( يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ ٌ ) القمريزحفون على بطونهم كما يزحف الجراد، ثم يحاولون الوقوف فيكونون كالجمال الصغيرة المولودة ، كالحيران الحائرة ويسميها الله بالفراش، ْقال تعالى: ( يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ ) القارعة
ثم تشتد أقدامهم فيقفون حفاة عراة غرلاً وتأتي الشمس فوق الرؤوس على قدر ميل ويأخذهم العرق حتى يغرقوا إلا من رحم الله وتزدحم الخلائق
ْقال تعالى:(وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا ) الكهف
أمواج بشرية لا يعلم عددها إلا الله وأمواج جنيةٌ وشيطانية، وأمواج من الحيوانات والطيور والوحش والحشرات، يقول الله لغير المكلفين: كونوا تراباً فيكونون تراباً فيقول الكافر، ْقال تعالى: (يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا ) النبأ
وفي هذا المشهد العصيب يُطارد الإنسان شهود عشرة،
الشاهد الأول : الكتاب
يأتي الكتاب الذي كتبه الملكان، يقول الله عنه (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ) ق
وهذا الكتاب شاهد أول من يقرأه؟ أنت، ْقال تعالى: ( وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ) الكهف.
كتابك يقول الله عنه ذاك كتاب المجرمين وهذا كتابك ْ {وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا، اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ، مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا) الإسراء
يفرح صاحب الكتاب ويحزن صاحب الكتاب.
الفرحان يقول ( فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ )
وأما الآخر يقول ( وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ ) الحاقه
الشاهد الثاني : الغلول
ويأتي الشاهد الثاني الغلول: من غلّ من أموال الدولة من غل من أموال الأجيال تأتي الأجيال كلهم يحشرهم الله يطالبون بأموالهم ممن سرقها وغلها وتخيل إنسان عارياً يوم القيامة تُحاصره الملايين جيلٌ بعد جيل. أنت الذي غللت أموالنا ْقال تعالى: (وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ القيامة ) [آل عمران:161].
وكل غلول من الغنائم وأموال الأمة وفي الجهاد يأتي يوم القيامة شاهد على من غل.
الشاهد الثالث: الغدر غلول وغدر.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم( إن الغادر ينصب له لواء يوم القيامة فيقال هذه غدرة فلان بن فلان)) متفق عليه
أينما يتجه علم يُرفرف وراءه تاريخ الغدرة ونوعها ولمن حصلت واسم صاحبها ونتائجها وحسابها وعذابها في جهنم أينما يذهب يقرؤها القاصي والداني في عرصات يوم القيامة من قريب ومن بعيد، غدرة فلان بن فلان.
ولا يظن الغادرون في الأعراض والأموال والأنفس أنهم سيفوتون على الله يوم القيامة بل سينصب له لواء لأنه لما غدّر أخفى غدّرته فيفضحه الله فيعلنها في لواء يُرفرف.
الشاهد الرابع: الأرض،
هذا التراب الذي تمشي عليه يتكلم بلسان فصيح يعرفك أكثر مما تعرفه ْقال تعالى: (إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا ، وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا ) [الزلزلة
ونحن من أثقلها الإنس والجن، تكلمي أيتها الأرض بوحي من الله فتقول: فلان سجد عليّ وبكى، وخشع وسعى إلى المساجد، وفلان ذهب إلى الفجور والزنا تشهد الأرض بمواقع الطاعات والمعاصي فأما المؤمن إذا وافته منيته وانقطعت أعماله حزنت الأرض والسماء لأن أعماله نور في الأرض والسماء.
وأما الكافر فلا تبكيه يقول الله عنهم: ْقال تعالى: ( فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ ) [الدخان:29].
وأما الشهود الأخرى يأتون ثلاثة ثلاثة بعد هؤلاء الأربعة،
الشاهد الخامس والسادس والسابع : السمع، والبصر، والجلد
ماذا يقول الله عنهم؟ اسمع: ْقال تعالى: ( حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) [فصلت:20]. ثلاثة مع بعض: سمع، بصر، جلد، هذا الثالوث المخيف.
يقول: ((فإذا ما شهدوا يقول صاحبهم: سُحقاً لكُنّ وبعداً لكُنّ، إنما كنت أدُفع عنكنّ)).
يسب نفسه يشتم عينه ويشتم سمعه يشتم جلده... وكأن الجلود تقول له كيف لا نشهد ضدك وأنت الذي حرمتنا من عبادة الله الذي خلقنا على الفطرة، فالسمع كان يريد أن ينصت إلى القرآن فأنصت إلى الأغاني، والعين كانت تريد أن تخشع وتبكي تريد دمعة واحدة في العمر خاشعة لله الذي خلقها حتى يُظل صاحبها تحت ظل عرشه (( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ورجل ذكر الله خاليا ففاضت)) من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، ولكن عينه تبكي من كل شيء إلا من الخشوع لله رب العالمين، تبكي على الدرهم والمال، تبكي عند الطرب عند الغناء عند الحزن تبكي عند الفرح ولكنها لا تبكي خاشعة لله فتشهد ضده يوم القيامة.
والجبين الذي حُرم من السجود جلد الجبهة الذي لم يسجد لله فُترى فيها سيما المصلين ْقال تعالى: ( سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ) [الفتح:29].
يشهد عليه جلد جبهته يوم القيامة فيقول له سحقاً وبعداً لك، والأيدي والأطراف كُلها تأتي يوم القيامة شهوداً أيضاً، ثالوثٌ خطير يقول الله جل جلاله ْقال تعالى: :( وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ َ ) [فصلت:21].
الشاهد الثامن والتاسع والعاشر : اللسان والأيدي والأرجل
ويقول عن الشهود الثلاثة الأخيرة ( يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ، يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ ) [النور
أخفت اليد وأخفت الرجل وأخفى الجلد وأخفى السمع وأخفى البصر من الذي كشف هذه الحقائق إنه الحق المبين.
عباد الله :
الرسول ينذر الناس يوم القيامة بأن منهم من يحمل شاة سرقها يحملها يوم القيامة لها صوت تنادي من مكان بعيد، وآخر يحمل جمل له رُغاء يسمعه البعيد والقريب، ومنهم من يأتي يحمل مناقصة تُنقص من حسناته، فالله جل جلاله لا يخفى عليه شيء، شهودٌ أربعة وشهودٌ ثلاثة وشهودٌ عشرة تطارد الإنسان من مكان إلى مكان وما دُمنّا أيها الأحباب في دار عمل فلنتذكر حقيقة هذه الشهود.و لنحذر حذراً شديداً من هذه الشهود العشرة، ولنحولها لصالحنا بالأعمال الصالحة، فنسأل الله جل جلاله أن يرزقنا يقظة إيمانية تنجينا من مصارع الغفلات.
عن ابن طاووس عن أبيه قال: استعمل رسول الله عبادة بن الصامت على الصدقة ثم قال له: (( يا أبا الوليد اتق الله لا تأتي يوم القيامة ببعير تحمله له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة لها ثغاء )) صحيح الألباني
وهذه المشاهد يوم القيامة حقيقةٌ ثابتةٌ في كتاب الله وسنة رسوله ، وقد شاهد بعضها ليخبر أمته عنها، فلقد شاهد في النار رجل غل عباءة زهيدة الثمن لُفت به في نار جهنم فتحولت من شملة خيوط إلى شملة نار وجحيم، وكان مجاهداً، وفي غزوة ومع النبي وفي خير القرون ومعه خير الصحبة ومعه الرسول الخاتم، وما شفع له ذلك لما غل الشملة عُذب بها( كان على ثقل النبي صلى الله عليه وسلم رجل يقال له كركرة فمات فقال النبي صلى الله عليه وسلم هو في النار فذهبوا ينظرون فوجدوا عليه كساء أو عباءة قد غلها ) صحيح الألباني
*** وتواكب الصحابة إلى النبي يسألونه عن صغار الأمور وكبارها حتى سألوه عن الخيط والمخيط.، فالذي يتهاون في الخيط والمخيط يتجرأ على غير ذلك، إنه يُعالج في النفوس الأمور الدقيقة قبل أن تُصبح كبيرة، فليراجع كل واحد نفسه ما دُمنا في دار العمل قبل أن ننتقل إلى دار الجزاء،
تعليقات
إرسال تعليق